ـ
آية ( التَّطهِير ) ، وهي قوله عزَّ وجلَّ : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ
لِيُذهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطهِيراً
) الأحزاب : 33 .
فقد كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يَمُرُّ على دار فاطمة ( عليها
السلام ) صباح كل يوم عند خروجه إلى المسجد للصلاة ، فيأخذُ بِعُضَادَةِ
الباب قائلاً : ( السَّلامُ عَليكُم يَا أَهْلَ بَيتِ النُّبُوَّة ) ، ثم
يقول هذه الآية المباركة .
2ـ آية ( المُبَاهَلَة ) ، وهي قوله عزَّ وجلَّ : ( فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ
مِنْ بَعدِ مَا جَاءَكَ مِنَ العِلمِ فَقُلْ تَعَالُوا نَدْعُ أَبنَاءَنَا
وَأَبنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُم وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُم
ثُمَّ نَبْتَهِلُ فَنَجْعَلُ لَعْنَةَ اللهِ عَلَى الكَاذِبِينَ ) آل
عمران : 61 .
وقد نزلت حينما جاءَ وفد نَجْرَان إلى النبي ( صلى الله عليه وآله )
لِيتحدَّثَ معه حول عِيسى ( عليه السلام ) ، فقرأ النبي ( صلى الله عليه
وآله ) عليهم الآية التالية : ( إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللهِ
كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ )
آل عمران : 59 .
فلم يقتنع النصارى بذلك ، وكانت عقيدتهم فيه أنه ( عليه السلام ) ابنُ
الله ، فاعترضوا على النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، فنزلت آية المُبَاهلة
.
وهي أن يَتَبَاهَلَ الفريقان إلى الله تعالى ، وَيَدعُوَانِ اللهَ تعالى
أن يُنزل عذابَهُ وغضبَه على الفريق المُبطِل منهما ، واتفقا على الغد
كيوم للمباهلة .
ثم تَحاوَرَ أعضاءُ الوفد بعضهم مع بعض ، فقال كبيرهم الأسقف : إنْ غَداً
جَاء بِوَلَدِهِ وأهل بيته فلا تُبَاهلوه ، وإِن جَاء بغيرهم فافعلوا .
فَغَدَا الرسول الأكرم ( صلى الله عليه وآله ) مُحتَضِناً الحسين ( عليه
السلام ) ، آخذاً الحسن ( عليه السلام ) بيده ، وفاطمة ( عليها السلام )
تمشي خلفه ، وعليٌّ ( عليه السلام ) خَلفَها .
ثم جثى النبي ( صلى الله عليه وآله ) قائلاً لهم : ( إذا دَعَوتُ
فَأَمِّنُوا ) ، أما النَّصارى فرجعوا إلى أسقَفِهِم فقالوا : ماذا ترى ؟
قال : أرى وجوهاً لو سُئِل اللهُ بِها أن يُزيلَ جَبَلاً مِن مكانِهِ لأَزَالَهُ .
فخافوا وقالوا للنبي ( صلى الله عليه وآله ) : يا أبا القاسم ، أقِلنَا أقال الله عثرتَك .
فَصَالَحُوهُ ( صلى الله عليه وآله ) على أن يدفعوا له الجِزية .
فهذه الصورةٌ تحكي عن حدث تاريخي يَتبَيَّن من خلالهِ عَظمة فاطمة الزهراء
، وأهل بيتها ( عليهم السلام ) ، ومنازلهم العالية عند الله تعالى .
3ـ سورة ( الكَوثَر ) ، وهي قوله عزَّ وجلَّ : ( إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ
الكَوثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ
الأَبْتَرُ ) .
فالأبتر هو المنقطع نَسلُه ، وقد استفاضت الروايات في أن هذه السورة إنما
نَزَلَتْ رداً على من عاب النبي ( صلى الله عليه وآله ) بالبتر ( أي عدم
الأولاد ) بعد ما مات أبناء الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ، وهم : القاسم
، وعبد الله .
وقصة هذه السورة هي : أن العاص بن وائل السهمي كان قد دخل المسجد بينما
كان النبي ( صلى الله عليه وآله ) خارجاً منه ، فالتقَيَا عند باب بني
سَهْم ، فَتَحَدَّثَا .
ثم دخل العاص إلى المسجد ، فسأله رجال من قريش ، كانوا في المسجد : مع من كنت تتحدث ؟
فقال : مع ذلك الأبتر .
فنزلت سورة الكوثر على النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، فالمراد من الكوثر
هو : الخير الكثير ، والمراد من الخير الكثير : كَثرَة الذُّرِّيَّة ،
لِمَا في ذلك من تَطْييبٍ لِنَفْسِ النبي ( صلى الله عليه وآله ) .
وَرُوِيَ أنه ( صلى الله عليه وآله ) قال لخديجة قبل ولادة فاطمة ( عليها
السلام ) : ( هَذا جِبرَئِيلُ يُبَشِّرُنِي أَنَّها أُنثَى ، وأَنَّهَا
النَّسلَةُ ، الطاهرةُ ، المَيْمُونَةُ ، وأنَّ الله تبارك وتعالى سيجعل
نَسلِي مِنها ، وسيجعل مِن نَسْلِهَا أئمة ، ويجعلُهُم خلفاء في أرضه بعد
انقضاء وحيه ) .
4ـ آية ( الإِطعَام ) ، وهي قوله عزَّ وجلَّ : ( وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ
عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ
لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً ) الإنسان : 8
- 9 .
وقصتها كما في تفسير الكشاف للزمخشري عن ابن عباس : أن الحسن والحسين (
عليهما السلام ) مَرِضَا ، فعادهما رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في
ناس معه ، فقالوا : يا أبا الحسن ، لو نَذرتَ على ولديك .
فَنَذَر عَليٌّ وفاطمةُ وجَارِيَتُهُما فِضَّة ( عليهم السلام ) إن برءا ( عليهما السلام ) مما بِهِما أن يَصومُوا ثلاثة أيام .
فَشُفِيَا ( عليهما السلام ) وما معهم شيء .
فاستقرض عليٌّ ( عليه السلام ) من شَمْعُون الخيبري اليهودي ثلاث أَصْوُعٍ
من شعير ، فَطحنت فاطمة ( عليها السلام ) صاعاً ، واختبزت خمسة أقراص على
عددهم .
فوضعوها بين أيديهم لِيُفطِرُوا ، فَوقَفَ عليهم ( مِسكين ) وقال
:السَّلام عليكم يا أهلَ بيتِ محمدٍ ، مِسكينٌ مِن مَساكِين المُسلمين ،
أطعِمُونِي أطعمكمُ اللهُ من موائد الجنة ، فآثروه ( عليهم السلام )
وباتوا لم يذوقوا إلا الماء ، وأصبحوا صياماً .
فلما أمْسَوا ووضعوا الطعام بين أيديهم وقف عليهم ( يَتِيم ) ، فآثروه ( عليهم السلام ) .
ووقف عليهم ( أسيرٌ ) في الثالثة ، ففعلوا ( عليهم السلام ) مثل ذلك .
فلما أصبحوا أخذَ علي بيد الحسن والحسين ، وأقبلوا إلى رسول الله ( صلى
الله عليه وآله ) ، فلما أبصرهم وهم يرتعشون كالفِرَاخ مِن شِدَّة الجوع
قال ( صلى الله عليه وآله ) : مَا أشد مَا يَسُوؤُنِي ما أرى بكم .
فانطلق ( صلى الله عليه وآله ) معهم ، فرأى فاطمة ( عليها السلام ) في
محرابها قد التصق ظهرها ببطنها ، وغارت عيناها ، فساءه ( صلى الله عليه
وآله ) ذلك ، فنزل جبرائيل وقال : خذها يا محمد ، هَنَّأَكَ اللهُ في أهل
بيتك ، فَأقرَأَهُ السورة .
وفي هذه السورة – أي : سورة الإنسان ، أو : سورة هَلْ أَتَى– نكتة رائعة
جداً ، وقد ذكرها الزمخشري في تفسيره الكشاف ، عند تفسيره لهذه السورة قال
: ( إنَّ الله تعالى قد أنزلَ ( هَلْ أَتَى ) في أهلِ البيت ( عليهم
السلام ) ، وَلَيس شَيءٌ مِن نعيم الجَنَّةِ إِلاَّ وَذُكِرَ فيها ،
إِلاَّ ( الحُور العِين ) ، وذلك إِجلالاً لفاطمة ( عليها السلام ) ) .
فهذا هو إبداع القرآن الكريم ، وهذه هي بلاغته والتفاتاته ، وهذه هي عظمة فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) عند ربها العظيم .
5ـ آية ( المَوَدَّة ) ، وهي قوله عزَّ وجلَّ : ( قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ
عَلَيهِ أَجْراً إِلاَّ المَوَدَّةَ فِي القُرْبَى ) الشورى : 23 .
وقد أخرج أبو نعيم ، والديلمي ، من طريق مجاهد ، عن ابن عباس قال : قال
رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ( لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في
القربى أن تحفظوني في أهل بيتي ، وتَوُدُّوهُم لِي ) .
وعلى هذا فإذا كان أجرُ الرسالة هو المَوَدَّة في القربى ، وإذا كان
المسؤول عنه الناس يوم القيامة هو المَوَدَّة لأهل بيت النبي ( عليهم
السلام ) ، فبماذا نفسر ما حصل للزهراء ( عليها السلام ) بعد وفاة أبيها (
صلى الله عليه وآله ) من اهتضام ، وجسارة ، وغَصبِ حَقٍّ ؟!! لكننا نترك
ذلك إلى محكمة العدل الإلهية .
6ـ وهي قوله عزَّ وجلَّ : ( وَآَتِ ذَا القُرْبَى حَقَّهُ ) الإسراء : 26 .
فقال شرف الدين في كتابه النص والاجتهاد : ( إن الله عزَّ سلطانه لما فتح
لعبده وخاتم رسله ( صلى الله عليه وآله ) حصون خيبر ، قذف الله الرعب في
قلوب أهل فَدَك ، فنزلوا على حكم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) صاغرين
.
فصالحوه على نصف أرضهم – وقيل : صالحوه على جميعها – فقبل ذلك منهم ، فكان
نصف فَدَك مُلكاً خالصاً لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، إذ لم يوجف
المسلمون عليها بِخَيلٍ ولا رِكَاب ، وهذا مما أجمعت الأمّةُ عليه ، بلا
كلام لأحدٍ منها في شيء منه ) .
فعندما أنزل الله عزَّ وجلَّ قوله : ( وَآَتِ ذَا القُرْبَى حَقَّهُ ) .
أنحلَ فاطمةَ فدكاً ، فكانت – فَدَك – في يدها – للزهراء ( عليها السلام ) – حتى انتُزِعَتْ منها غَصباً في عهد أبي بكر .
وأخرج الطبرسي في مجمع البيان عند تفسيره لهذه الآية فقال : المُحَدِّثون
الأَثبَاث رَوَوا بالإِسناد إلى أبي سعيد الخدري أنه قال : لما نزل قوله
تعالى : ( وَآَتِ ذَا القُرْبَى حَقَّهُ ) ، أعطى رسولُ الله فاطمة فدكاً
، وتجد ثَمَّةَ هذا الحديث مِمَّا ألزم المأمون بِرَدِّ فَدَك على وُلد
فاطمة ( عليها وعليهم السلام ) .
7ـ وهي قوله عزَّ وجلَّ : ( إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُم خَيرُ البَرِيَّة ) البيِّنة : 7 .
ففي تفسير مجمع البيان عن مقاتل بن سليمان عن الضحَّاك عن ابن عباس في
قوله : ( هُمْ خَيرُ البَرِيَّة ) قال : نَزَلَتْ فِي عَليٍّ وأهل بيته (
عليهم السلام )