|
ألمهنة : - الجنسية : عراقية
| |
| العالم المجاهد الإمام محمد حسين آل كاشف الغطاء الثلاثاء 6 أبريل 2010 - 18:09 | |
العالم المجاهد الإمام محمد حسين آل كاشف الغطاء
محمد طراد
لقد كان المترجم له العلامة كاشف الغطاء (قدس سره) , الذي ولد في مدينة النجف الأشرف سنة 1294هـ / 1876م , آية عصره وعلماً بارزاً في جميع المجالات العلمية والاجتماعية, ولا عجب في ذلك, فالشيء لا يستغرب من معدنه, وهو جدير بأن ينشأ هذه النشأة العظيمة , إذ هو من عائلة علمية عريقة شاركت مشاركة فعالة في صناعة تاريخ النجف العلمي , حيث تزعمت الحركة الدينية فيها نحو مائة وثمانين سنة منذ هجرة جدها الأعلى الشيخ خضر ين يحيى المالكي إلى النجف , والذي خلفه نجله الشيخ جعفر الكبير صاحب كتاب كشف الغطاء المعروف , حتى وصل الأمر إلى صاحب هذه الترجمة.
دراسته ومكانته العلمية:
بعد إكماله دراسة مرحلة المقدمات , انتقل إلى مرحلة السطوح فدرس أصول الفقه على آية الله الشيخ محمد كاظم الخراساني , ودرس الفقه على آية الله الملا رضا الهمداني , وآية الله السيد كاظم اليزدي , ودرس الأخبار والحديث على الميرزا حسين النوري الذي أجازه بالحديث عنه , ودرس الكلام والحكمة على الشيخ أحمد الشيرازي , والميرزا محمد باقر الاصطهبانائي , والشيخ محمد رضا النجف آبادي .
برز بين أقرانه في وقت قصير بسبب ذكائه الخارق ونبوغه المبكر , ونال الدرجة العالية وهو في أوان عهد شبابه , فصار هو مع أخيه المجتهد الشيخ أحمد محل اعتماد العلماء وثقة المرجع الكبير آنذاك آية الله العظمى السيد كاظم اليزدي , الذي كان يكل إليهما أمور الفتوى والجواب على ما يأتيه من المسائل الفقهية, وبعد وفاة السيد الكبير, انعقد لواء المرجعية للإمام صاحب هذه الترجمة.
وقد بلغ ما ألقاه في أبواب الحديث والكلام والفقه ما يزيد على عشرات المجلدات , كما امتاز أسلوبه ـ بالإضافة إلى جزالة العلم ـ بالبيان الجذاب الذي يأخذ بمجامع الألباب .
ولقد كان يعتلي المنابر في مختلف المناسبات , فيسحر الناس ببليغ بيانه وحلاوة منطقه , فضلا عن تمكنه من فنون الخطابة حتى لتغدو الأفكار والعبارات طوع بنانه .
بلغ ولعه العلم درجة أنه درس علوماً لم يؤلف دراستها من قبل الكثير , كعلوم الحكمة والكلام والهيئة والفلك والحساب , وكانت عنده نزعة تجديدية في الفقه والأصول , حتى صار فقيهاً حراً يناقش الآراء على لوحة البرهان والدليل المقنع, بانياً بحثه على كتاب ( العروة الوثقى) لأستاذه آية الله العظمى السيد كاظم اليزدي , فيعارض آراءه ونظرياته كثيراً , وقد درس عليه المئات من الشخصيات العلمية , وتخرج من حلقته ـ التي استمرت أربعين عاماً تقريباً ـ الكثير من رجال العلم والفضيلة.
في البداية كان يدرّس بمدرسة الإمام اليزدي , ثم في مقبرة الإمام الشيرازي , لينتقل بعدها إلى الصحن الشريف للإمام علي .
أبرز رحلاته:
لقد كان (قدس سره) طموحاً إلى أبعد حدود الطموح , شده الطموح للسفر والترحال إلى البلاد العربية والإسلامية ليسمعها صوته المجاهر بالحق, فدوى في المحافل والمنتديات , وجلجل في المؤتمرات.
كانت الرحلة الأولى في بداية شهر شوال سنة 1328هـ قاصداً مكة لأداء فريضة الحج , ثم عرج على دمشق وبيروت , وأخذ ينتقل بينهما نحو شهرين .
ثم أقام في صيدا عدة شهور, مثل في هذه المدن مثال الفقيه العالم العامل , وطبع عدة كتب من مصنفاته , وأشرف على طبع بعض الكتب العلمية والأدبية وعلق عليها.
ثم سافر من صيدا إلى القاهرة ليبقى فيها أكثر من ستة أشهر, اجتمع فيها إلى علماء الأزهر يأخذ عنهم ويأخذون عنه , ثم حاضر في الأزهر الشريف وفي الكنائس مفنداً مزاعم المبشرين الأفاقين .
سافر إلى فلسطين عام 1350هـ ليحضر المؤتمر الإسلامي المعقود في القدس , ولما حضر المسجد الأقصى دعي للخطابة , والصلاة بجميع المشاركين في المؤتمر آنذاك , وتجول بعد ذلك في مدن فلسطين كحيفا ويافا ونابلس.
وفي عام 1352هـ سافر إلى إيران فأقام صلاة الجمعة في جميع المدن التي زارها , وألقى الخطب, واتصل بالعلماء الأعلام هناك, كما زار إيران في عامي 1366هـ , 1367هـ .
وفي عام 1371هـ سافر إلى باكستان بدعوة من حكومتها , فشارك خير مشاركة في مؤتمر لمعالجة الشؤون الاجتماعية والسياسية في الدول الإسلامية , وقد كانت له الباع الطويلة في فضح دسائس الاستعمار التي أراد إدخالها في مقررات ذلك المؤتمر.
أخلاقه:
كان متواضعاً , ليّن العريكة, رحب الصدر, ينسى إحسانه إلى غيره وإساءة غيره إليه, دون تطبع منه بذلك , فهذا كان طبعه وسجيته , وهذه الظاهرة كانت من ظواهر الزعامة فيه.
لم يقتصر على ذلك , بل كان يقاوم البدع والمنكرات والتقاليد المستهجنة بالحكمة والموعظة الحسنة.
تجديده:
لقد اعتبر (قدس سره) مجدداً في الفقه والأصول والفلسفة , فقد أدخل على الفقه كثيراً من التطور, وأوجد كثيراً من القواعد , وخير شاهد على ذلك رسالته الأخيرة بعنوان (سؤال وجواب) , ومن الآراء الفقهية التي عني بها فتواه بصحة الزواج بالعقد الدائم من الكتابية , في حين أن غيره كان لا يقرّه إلا عن طريق العقد المنقطع , وقد أخذ بهذا الرأي في أواخر أيامه آية الله العظمى السيد أبو الحسن الأصفهاني , وكانت له كثير من الآراء السديدة الجديدة التي تعود على الدين والمذهب بالخير لم تشأ الظروف أن يظهر كثير منها.
مواقفه:
لم يصرفه الانشغال في التدريس والتصنيف عن الجهاد في سبيل الله , فقد شارك (قدس سره) مع السيد محمد اليزدي وغيره من العلماء في المضي إلى سوح الجهاد في الكوت أمام قوات الإنكليز , كما أنه كان أبرز المؤيدين للنهضة الإصلاحية في العالم الإسلامي , ولم تزده محاولات الاستعمار للتفرقة الطائفية المذهبية بين أبناء الشعب العراقي إلا إصراراً على مكافحة هذا المرض الوبيل بالقول النافع والعمل الجاد الدؤوب الذي قطع الطريق على المصطادين في الماء العكر , وبذلك كان مرجع الأمة الإسلامية بمختلف مذاهبها لأنهم أعطوه الثقة الكاملة لما وجدوه فيه من طهارة الذات ونبل المقصد وصلابة الموقف وحصافة الرأي وبعد النظر , ولولا مواقفه السامية الخالدة هذه لوقعت الفتنة الكبرى والطامة العظمى.
لقد كان (قدس سره) يؤمن بأن أهم وظائف العالم وواجباته الأولى : معالجة الشؤون السياسية والتدخل فيها وفهمها حق الفهم .
وقد أعطى تعريفاً للسياسة بأنها ( الوعظ والإرشاد والنهي عن الفساد , والنصيحة للحاكمين بل لعامة البلاد , والتحذير من الوقوع في حبائل الاستعمار والاستعباد ووضع القيود والأغلال على البلاد وأبناء البلاد ) .
يقول عن انشغاله بالسياسة: ( أنا غارق فيها إلى هامتي , وهي من واجباتي, وأراني مسؤولاً عنها أمام الله والوجدان ).
وقد شاءت الأقدار أن سنحت له الفرصة بزيارة السفير البريطاني لمدينة النجف واجتماعه به يوم 20 جمادى الأولى 1373هـ ـ 1953م, فواجهه بالمنكرات التي أقدم عليها الإنكليز في كافة أنحاء العالم , بما فيها سعيهم إلى ضياع فلسطين وسقوطها بأيدي اليهود ومساعدتهم على استعمارها أرضاً وشعباً , ثم تهجيرهم إلى كل حدب وصوب.
ثم كان له لقاء بالسفير الأميركي , فواجهه أيضا بما لأمريكا من اليد الطولى في تثبيت إسرائيل بأرض فلسطين , وما تسبب عن ذلك من أعمال وحشية يندى لها جبين الإنسانية .
وكانت أبرز مواقفه رفضه حضور مؤتمر بحمدون الذي روجت له أبواق الاستعمار , بل كان رده على دعوة الحضور حاسماً بليغاً جداً , مع كتاب آية في خدمة الأمة الإسلامية والذبّ عن حماها في مواجهة الاستعمار الكافر وهو كتاب ( المثل العليا في الإسلام لا في بحمدون ) .
لقد كانت الدعوة موجهة له من قبل نائب رئيس جمعية أصدقاء الشرق الأوسط في أمريكا لحضور مؤتمر لرجال الدين من المسلمين والمسيحيين يعقد في لبنان لبحث القيم الروحية في الديانتين والأهداف المشتركة وموقف الديانتين من الشيوعية وقد كان موقفه رفض الحضور مع بيان مثالب الحضارة الغربية القائمة على ضرب القيم الروحية , لذلك خاطبه ( قدس سره) في هذا الكتاب :
(ألستم أنتم أخرجتم تسعمائة ألف نسمة من العرب , أخرجتموهم من أوطانهم وبلادهم وشردتموهم بالصحاري والقفار يفترشون الغبراء ويلتحفون السماء , وكانوا في أوطانهم أعزاء شرفاء , يكاد يتفجع لحالهم الصخر الأصم , ويبكي لحالهم الأعمى والأصم , وأنتم لا تزالون تغرون اليهود بالعدوان عليهم .
فهل فعل نيرون كأفعالكم هذه , والعجب كل العجب أنكم في الوقت نفسه تطلبون من المسلمين والعرب الانضمام إلى جهتكم , والتحالف معكم , وإبرام المعاهدات لكم , فإنكم تضربون العرب بأرجلكم ورجالكم تصفعونهم على عيونهم بيد , وتمسحون رؤوسهم باليد الأخرى ) .
ورداً على إدعائهم عقد المؤتمر لمحاربة الشيوعية أيضا قال (قدس سره) :
( نريد عقد مؤتمر لبنان للبحث في العلاج لدفع خطر الشيوعية , ولكن إذا كانت هذه سيرتكم مع الأمم عموماً ومع العرب والمسلمين خصوصاً فلعل كثيرا من الناس يقول:
ألف سلام على الشيوعية على شدة نفورنا منها وبعدنا عنها ومكافحتنا المريرة لمبادئها الهّدامة ومحاربتنا لها بكل قوانا , ولكن لو أمعنا النظر وضربنا الرقم القياسي على طاولة الحساب , ووضعنا أعمال الجهتين في كفتين هانت علينا الشيوعية وثلجت صدورنا منها , فإن الشيوعية ما استعمرت من العرب دولة , ولا غصبت منا بلادا ً, ولا ابتزت منا مالاً وعتاداً ) .
مؤلفاته ومكتبته:
لقد انتشرت تصانيفه في أكثر البلاد , فكانت موسوعة إسلامية منها :
1 ـ الدين والإسلام (جزءان) .
2 ـ المراجعات الريحانية ( جزءان) .
3 ـ أصل الشيعة وأصولها.
4 ـ الفردوس الأعلى .
5 ـ المثل العليا في الإسلام لا في بحمدون .
6 ـ سؤال وجواب .
7 ـ الدروس الدينية .
8 ـ جنة المأوى .
9 ـ تنقيح الأصول .
ولم يشأ (قدس سره) أن يرحل إلى جوار رفيقه الأعلى إلا بعد أن أسس مكتبة عامة موقوفة تكون بمثابة الصدقة الجارية التي تنفعه بعد مماته فضلاً عن حياته فجدد مدرسة جده الأعلى الشيخ جعفر الموقوفة وبنى جناحاً إلى جنبها خصًّصه للمكتبة , وكتب على جبهتها هذا البيت الناطق بملكيتها من قبل طلاب العلم :
إذا ما بناء شاده الدين والتقى * * * تهدمت الدنيا ولم يتهدم
رأي العلماء فيه:
إن الثناء عليه وعلى مقامه العلمي وخدماته الكبيرة للإسلام من قبل الكثيرين يكشف عن ما خلفه من تراث ضخم عظيم الفائدة , وقد ذكر الشيخ جواد الشبيبي في ترجمته عنه :
( أما صاحب الترجمة فحدّث عن البحر ولا حرج , آية في العلم , والفضائل كبرى , ومعجزة يقصر الفكر أن يحيط بها خبرا , ركب جادة الجد, وخاض لجة الفضل قبل أن يشتد ساعده , فأدرك ما أملته فيه مدارك العقول , وأصبح والمعقول عنه منقول , والمنقول بحمى إفادته معقول ) .
وفاته:
لقد ألَّمت به وعكة صحية قبل وفاته بشهر مما استدعى دخوله للمستشفى في بغداد , ورغم ذلك لم يبتعد (قدس سره) عن أعماله التي كان يقوم بها من مقابلة الناس له وقضاء حوائجهم , ففضل أن يقضي بعض أيامه في قرية (كرند) .
سافر إليها ليلة السبت 16 ذي القعدة , وبعد ليلتين اعتراه عارض مفاجئ , ففاضت روحه الزكية الطاهرة في صباح ليلة الاثنين 18 ذي العقدة 1373هـ.
المصادر :
1ـ المثل العليا في الإسلام لا في بحمدون.
2ـ شعراء الغري ـ الجزء الثاني ص 100 .
3ـ الدين والإسلام , للمؤلف كاشف الغطاء ( قدس سره).
|